رسالة لاجئ سوري الى اللاجئين السوريين

1378434_180818225442800_708690714_n

تحياتي للسوريين ولكل من يفكر باللجوء في هولندا،

هذا الشريط ليس إعلان وجود خط تهريب جديد أو حلقة جديدة من حلقات استفزاز مشاعر غير القادرين على اللجوء يكتبها عربي مقيم في أوروبا ليس لديه عمل.

إنه محاولة لتنبيه طالبي اللجوء، وخاصة السوريين منهم، إلى بعض المسائل التي تتعلق بهولندا بالذات.

أنا سوري لجأت إلى هولندا أواخر السنة الماضية، وكنت قد قررت اللجوء إليها بعد أن زرت الدنمارك والسويد وكان بإمكاني الوصول إلى أية دولة أوروبية أخرى ما عدا بريطانيا.

سأبتدئ حديثي بالخلاصة: أنا نادم ولا أنصح السوريين لى طلب اللجوء في هولندا.

وإليكم التفاصيل:

انقر على ↓ Read the rest of this entry… في التحت لقراة المزيد

أولاً:- لا تستخف على الإطلاق بعبارة “هولندا إقامتها مشروطة”.

للأسف الغالبية العظمى من السوريين لا يأبهون لهذا الكلام ويعيشون لحظتهم الحالية ويومهم الحالي. وعندما تحاورهم تجد كل ما يبحثون عنه هو المنزل المجاني، وكل ما يسألون عنه هو كم من المال ستعطيهم الدولة كل شهر، وكل ما يهمهم هو كيف سيستفيدون من أية امتيازات يمكنهم الحصول عليها سواء كانت معنية لهم أم أنه يمكنهم الانقضاض عليها، وسواء كان من اللائق أو من غير اللائق محاولة الحصول عليها. هذا هو شعبنا!

قبل يومين فقط قمت بلقاء محامي الهجرة خاصتي للمرة الأخيرة. قصدته لكي أشرح له عن امتعاضي من الحياة في هولندا وعن رغبتي في البحث عن مخارج لهذه الورطة (نعم ورطة). فقال لي المحالي بأنه يشجعني على نظري إلى الأمام بشكل يفارق أقراني، ونقل لي اعتقاده بناءً على ما يتداول في أروقة ودهاليز دائرة الهجرة ووزاة الهجرة.

قال بالحرف: “هؤلاء السوريون الذين قبلوا الحصول على إقامة 5 سنوات ستتم إعادتهم جميعهاً إلى سوريا قبل نهاية هذه المدة”!

وعندما استفسرت من المحامي عن أساس هذا الاعتقاد قال: “الحكومة تعتقد بأن الوضع في سوريا آخذ إلى انفراج ولن يستمر كما هو لمدة 5 سنوات.”

قلت: “ولكن ماذا عن الإسلاميين التي باتت أمريكا تحاربهم بالتحالف مع النظام؟ هل تعتقد بأن هذه معركة قصيرة الأمد؟”

قال: “هذا بالضبط ما أتحدث عنه. كانت الحكومة الهولندية تظن أن منح السوريين إقامة مشروطة لا ينفع كثيراً في إعادتهم لأنه لا يوجد مؤشرات لسقوط النظام. ولكن اليوم، وبعد بدء التعاون بين النظام والأمريكيين، لم يعد العالم المعني بإسقاط النظام (الناتو) يرى ضرورة سقوط النظام لحل المشكلة. سترضى أمريكا بالمساومة مع النظام على إنهاء المشكلة بعد القضاء على الإسلاميين. وبالتالي فإن السوريين يمكنهم العودة.”

قلت: “ولكن الغالبية العظمى من السوريين الذين طلبوا اللجوء ادعوا الهروب من النظام نفسه قبل الإسلاميين”.

قال: “الأمريكان مستعدون لمنح قرار العفو الذي سيصدره النظام مصداقية كافية لتجربته وإعادة اللاجئين على أساسه”.

‫======‬

ثانياً: – لا تستمع لمن يقول لك إن سوق العمل في هولندا مفتوح وعالمي ويتقبل الناطقين بالانجليزية.

أنا أتقن الانجليزية إتقاني للعربية تقريباً، وأحمل شهادة جامعية ولدي خبرة عمل لسنوات طويلة في إمارة دبي، ومستواي في العمل في اختصاصي يضاهي (إن لم يكن يفوق) الطبقة المهنية من الأوروبيين، ومع ذلك لا زالت جميع الأبواب موصدة أمامي.

لا بل وحتى عندما أحصل على مقابلة عمل وأحظى بقبول جيد وأجواء الحوار إيجابية للغاية، ما إن تطلب الشركة الموظفة مني أوراقي وترى الشركة أن هويتي مكتوب عليها “لاجئ” حتى تطنش الشركة علي بالتمام والكمال وتبدأ بالتصرف كما لو أنها لم تعد موجودة على الخريطة (أو ربما أنا لم أعد موجوداً على الخريطة)!

‫======‬

ثالثاً: – لا تصدق أن كون هولندا أكثر بلد ديمقراطية في العالم يعني أنها أكثر بلد تقبلاً للأجنبي في أوروبا أو العالم.

نعم، يتم تصنيف هولندا أنها أكثر بلدان العالم ديمقراطية، وذلك لأن قوانينها سمحة للغاية من حيث السماح بالحشيش والدعارة وزواج المثليين وإلى آخر قائمة الممنوعات في باقي الدول الديمقراطية. ولكن هذه القوانين يتم سنها من قبل طبقة السياسيين التي هي غالباً طبقة المتحكمين والأذكياء والأغنياء في المجتمع. وهي لا تمثل إلا قلة قليلة من الهولنديين، وعلاقتها بالشعب الهولندي تقتصر على الحد الأدنى من الاحتكاك الضروري لجمع أصوات الناخبين لا أكثر ولا أقل.

أما الشعب الهولندي فلا علاقة له بهذه القوانين لأنه أصلاً شعب شبه محافظ (مثل الألمان ومثل البريطانيين) ولا يمارس الدعارة بنسبة تميزه عن سواه ولا يهوى الحشيش بالضرورة وليس فيه نسبة مثليين جديرة بالذكر. وهو شعب لا يتقبل الأجانب. بل ويتم تصنيف هولندا أنها أكثر الدول غير الصديقة للأجانب على أرضها (the most unfriendly country to expatriates) بالرغم من أنها أكثر الدول ديمقراطية في العالم. وإعلامهم يعترف بذلك. ويمكنك وضع العبارة السابقة في جوجل لقراءة المزيد.

أما السياسيون الذين يسنون قوانين “التسامح” ويفعلون ما يفعلوه فهم يقومون بذلك لأسباب كثيرة، منها تاريخي ومنها ذو تركيبة سياسية-ثقافية.
بعض هذه الأسباب:
– هم يهربون إلى الأمام من ذكرى الحرب العالمية الثانية لأنهم يكرهونها كرهاً كبيراً. ويظنون أنهم إذا كانوا سباقين في سن قوانين “للمستقبل” فإنهم يرفضون ثقافة الماضي ويبعدونها على احتمال العودة.
‫-‬ هم محاطون بدول أوروبية تكاد تتفوق عليهم بكل شيء. ألمانيا صناعية. بريطانيا صناعية وثقافية وعسكرية. الشمال فيه نظام اجتماعي راقي. الجنوب فيه تاريخ فني وثقافي راقي. لذلك فإحساسهم بالنقص وبكونهم الحلقة الأضعف يدفعهم إلى الرغبة بالتمير. وأسهل طرق التميز هي مجرد الاختلاف. وأسهل طرق الاختلاف هي سن قوانين مثيرة للجدل.

الهولنديون شعب جاف للغاية اجتماعياً. هم يسمون جفافهم صدق وصراحة وعدم الرغبة بالمجاملة. ولكن الحقيقة هو أن هذا الجفاف هو رفض للآخر من العمق لو مهما كان هذا الآخر.

حتى لو صادقت امرأة منهم واصطحبتها في موعد وتغزلت بجمالها “غير الطبيعي” فإنها لن تشكرك أو تخجل أو تفرح مثل باقي نساء الأرض، بل توقع منها أن تنكر كلامك وتطلب منك عدم الكذب عليها!

بالإضافة إلى ذلك، هم متكبرون للغاية، ولكنهم يمارسون تكبرهم بصمت وبسياسة اجتماعية باردة. الهولنديون الذين يعملون في مجال مساعدة اللاجئين (وهم قلة) ينصحون القادمون الجدد بأنه: لكي تكون على علاقة جيدة good terms مع الهولنديين عليك دائماً أن “تتواضع”. طبعاً وضعتُ كلمة تواضع بين قوسين لأنه في الحقيقة عليك أن تتذلل. وشتان ما بين الكلمتين.

بما أني بلا عمل منذ عدة أشهر في هولندا، فأنا أصرف معظم وقتي الذي أقضيه خارجاً بالتأمل بهم، وبتصرفاتهم، وبلغة الجسد التي تعبر أكثر من لغة الكلمات. وأهم من كل شيء راقبت الأجانب الذين يعيشون بينهم. وبالذات الأجانب القادمين من افريقيا وآسيا والشرق الأوسط. يعني أجانب الدرجة الثانية. ورأيت بشكل واضح أن جميع أجانب الدرجة الثانية الذين يتحدثون الهولندية (يعني الأجانب القدماء في هولندا) بالفعل يتذللون أمام الهولنديين!

‫======‬

رابعاً: – هولندا ذات اقتصاد قوي لأنها تقتصد وليس لأنها تمتلك.

دائماً المظاهر خادعة. والتجربة هي أم الخبرة. كنا نسمع عن أن الشعب الهولندي هو أسعد شعوب العالم. ونسينا أن مقاييس السعادة تختلف بين الشعوب ووسائل الإعلام الغربية التي تهوى الادعاء والمفاجآت واختلاق المقاييس غير المتوقعة. كانت السعادة في بلادنا تعني بالدرجة الأولى الرفاه المادي، ومن ثم تأتي العوامل الأخرى تباعاً. لذا فكنا نظن أن الشعب الهولندي مرفه مادياً. وهذا أحد أخطائنا التي لا تعد ولا تحصى.

الهولنديون هم أكثر شعوب أوروبا اقتصاداً (يعني توفيراً). يطفؤون مدافئ البيوت المركزية ويلفون أجسادهم بالبطانيات قدر المستطاع لكي يوفروا فاتورة الكهرباء. يستعملون صنابير مياه تفرش الماء بعد أن تضغطه لكي يوفروا فاتورة الماء قدر الإمكان. لا يضعون أضواء قوية في منازلهم في معظم الأحيان، ويكتفون بضوء واحد لغرفة الجلوس بالكامل. وفقط إذا أراد واحدهم القراءة يشغل ضوء القراءة المكتبي. يستعملون الدراجات الهوائية لتوفير الطاقة (وللرياضة حسب تبريرهم). ومعظمهم لا يمتلكون سيارات. ومعظم الذين يمتلكون سيارات فسياراتهم تعمل بالديزل من أجل توفير ثمن الوقود وذلك حتى لو كانت السيارة صغيرة ومن نوع hatchback. أما السيارات الفخمة أو الترفيهية فهي من نصيب القلة القليلة من الطبقة العليا. وإذا توقفت سيارة بورش أو فيراري عمرها عشر سنوات بجانب أي رصيف فإن الشباب الهولنديين يلتمون حولها ويأخذون لأنفسهم صور selfie وهم بجانبها‪.‬

بالإضافة إلى ذلك، طبقة السياسيين حريصة كل الحرص على إبقاء الشعب الهولندي ضمن حدود الطبقة الوسطى أو الطبقة الدنيا (التي تعيش على المساعدات). وهذا ليس مجرد ادعائي. إنه معتقد الكثير من الأجانب المقيمين في أوروبا منذ عشرات السنين الذين تحولوا إلى هولنديين، ولكن بحكم كونهم قادمين من خلفيات مختلفة فهم يستطيعون التمييز. وبعض هؤلاء الأجانب الذين سمعت منهم هذا الرأي ذوو شأن فني ومهني في البلد، وليسوا من طبقات فقيرة.

‫======‬

خامساً: – هولندا تراقبك وتحاصرك بكل ما أوتيت من وسيلة.

هولندا هي دولة اللجوء الوحيدة التي تصر على مراقبة اللاجئ في كل صغيرة وكبيرة، وتحاسبه على كل نفس يتنفسه. طبعاً يندرج هذا ضمن سياسة التوفير المقدسة التي يرسمها سياسيو البلد، والتي لا بد وأن تتجسد بكافة أشكالها في التعامل مع اللاجئ الجاهل المسكين.

سأقص عليكم حكايتين تختصران واقع الحال:

‫+++ ‬الأولى:

الحكاية من صديق لجوء وصل إلى هولندا معي في نفس اليوم. وهو الآن وأسرته في بيت اللجوء الذي طال انتظاره كأنه سدرة المنتهى وجنة المأوى!

احتاج هذا الصديق أن يذهب إلى لبنان لرؤية أهله هناك بعد أن حصل على الإقامة، فقرر أن يخبر البلدية بذلك (البلديات في أوروبا هي بمثابة الحكومات أو السلطات). فما كان من البلدية إلا أن سألته:

البلدية: “ومن أين لك المال الكافي للسفر إلى لبنان؟ طالما أن لديك مال للسفر فهذا يعني أنك قادر على الصرف على نفسك وعائلتك وسوف نقطع عنك المساعدة الشهرية”.

قال لهم: “التذكرة لا تكلف إلا 350 يورو. هذا لا شيء! وأهلي هناك سيتكفلون بإقامتي وأكلي وشربي”.

البلدية: “إذاً دع أهلك يرسلون لك المال إلى هولندا وسنقطع عنك المساعدات”.

كاد يصاب صديقي بجلطة! وسارع بالاستطراد: “أنا ليس لدي المال. وفي الحقيقة حتى سعر التذكرة مستدان من أصحابي”.

البلدية: “عليك أن تثبت أن المال مستدان. اجمع لنا تواقيع أصحابك على المبالغ التي استندتها منهم”.

فجاء الصبي يدور علينا واحداً واحداً ويجمع تواقيعنا لندعي بأننا قرضناه سعر التذكرة لكي تسمح له البلدية بالسفر إلى لبنان دون أن تقطع عن عائلته المساعدة.

‫+++ ‬الثانية:

معروف أن المحامي الذي يدافع عن اللاجئ هو شخص محلف بالحفاظ على معلومات عميله (اللاجئ) بشكل طبيعي بحكم مهنة المحاماة. ولا يحق لأي مخلوق ولا لأي دائرة حكومية أو غير حكومية الحصول على أية معلومات من المحامي إلا بإذن صاحب العلاقة. وهذا ما أفهمونا إياه منذ لحظة دخولنا لهولندا.

في أحد الأيام (وعندما كنت أعيش في مخيم) طلبتُ أنا لقاء أخر مع المحامي لكي يتحدث مع دائرة الهجرة لكي تمنحني شيء كنت بحاجة إليه (ليس مادي وإنما قانوني). وكانت حجتي بأني أريد السفر إلى لبنان لزيادة أهلي لسبب اضطراري (مرض أحد أفراد العائلة).

وفي اليوم التالي كان لدي موعد مع مدير الحالات case manager في المخيم الذي كنت أقطن فيه. وكانت الجملة الأولى التي زلت على لسان مدير الحالات بعد أن جلسنا إلى الطاولة هي: “كيف حال أهلك في لبنان؟ أرجو ألا يكون الوضع بذلك السوء”. صعقني سؤاله ولكني حاولت تغطية المفاجأة بابتسامة لا معنى لها وأنا أبحث عن جواب. فاستطرد مسرعاً وقال: “العديد من السوريون لديهم هذا الظرف. أرجو ألا تكون واحداً منهم. هل أهلك في لبنان؟”

هذا الرجل ليس من المفروض أنه يعرف عني شيء، ولا عن أين يقيم أهلي، ولا عن أية مشكلة يعانون منها.

لم تصبر المعلومة مدة 24 ساعة قبل أن تصل من المحامي إلى إدارة المخيم، وحتماً وصلت إلى دائرة الهجرة وإلى كل من يهمه أن يعلم ضمن نطاق الدولة في هولندا.

ادعى بعض المتحمسين أحقيتي بأن أقاضي المحامي. ولكني أعلم ضمناً أن هذا مضيعة للوقت. وفقط أردت أن تصل هذه المعلومة إلى أخوتي في كل مكان.

عبرة الحكاية: عندما تتحدث إلى المحامي الذي تنصبه لك الدولة فأنت تتحدث إلى الدولة بأسرها بدءً من دائرة الهجرة وحتى أصغر موظف بلدية.

الخلاصة: في هولندا أنت في reality show وعليك أن تتنبه لذلك جيداً. وهذا ما لا ينطبق على باقي دول أوروبا. في السويد مثلاً أعرف شباباً مقيمين فيها ويعملون في اليونان دون أن تعلم الدولة بمكان إقامتهم أصلاً. وفي ألمانيا أعرف لاجئاً في مدينة دوسلدوف لا يكف عن المجيء إلى هولندا لكي يشحن سيارات مستعملة من ميناء روتردام، وعندما سألته عن سماحية الدولة للتنقل قال لي لا أحد يعلم ولا أحد يحاسب بالضرورة إلا إذا حصلت مشاكل.

‫======‬

سأكتفي الآن بهذا القدر ولو أني لدي المزيد. وسأعود إلى إكمال هذا الشريط إذا توفر لي الظرف لاحقاً.

تحياتي